أولاً: ما بعد الحداثة Post-modernity Theory: تخلى علماء الاجتماع اليوم عن محاولة وضع نظريات شاملة وبدلاً من ذلك اختاروا ما أشار إليه ميرتون…

أولاً: ما بعد الحداثة Post-modernity Theory:

تخلى علماء الاجتماع اليوم عن محاولة وضع نظريات شاملة وبدلاً من ذلك اختاروا ما أشار إليه ميرتون (1968) بنظريات المدى المتوسط Middle-range theories؛ وتهتم نظريات المدى المتوسط بتفسير قضايا أو جوانب محددة من المجتمع بدلاً من محاولة تفسير كيفية عمل المجتمع بأكمله. فهي ليست مثل النظريات الكلية (الماركسية والوظيفية) التي قدمت نماذج للعالم الاجتماعي باعتباره نسقًا كليًّا يجدد نفسه. ويرى منظرو ما بعد الحداثة أن العالم الاجتماعي يتكون من أفراد وجماعات وثقافات عديدة ومختلفة يكون سلوكها وهويتها متغيرة ولا يمكن التنبؤ بها على نحو دقيق ومن ثم لا يوجد مجال لمحاولة ابتداع نظرية تسعى إلى تفسير كل ما يفعله الناس طوال الوقت. بل نظريات تتناول قضايا جزئية مثل سبب ارتفاع أو انخفاض معدلات الطلاق في ظل ظروف اقتصادية معينة أو كيفية ارتباط معدلات الجريمة بالتوزيعات السكانية.

والسبب الآخر لتجنب “النظريات الكلية” وفقًا لمنظرو ما بعد الحداثة أن أي نظرية اجتماعية ستعكس أولويات واهتمامات عالم الاجتماع الذي بناها.

ملامح ما بعد الحداثة(1):

أصبحت الثقافة هي الجانب المهيمن على الحياة الاجتماعية وتشبع كل جانب من جوانبها وذلك نتيجة لتقدم تكنولوجيا الاتصال وهو عكس ما يؤكد عليه الماركسيين التقليديين.

أن سيادة الثقافة تتحقق في سياق كوني عبر العولمة وتتأثر به، وتلعب وسائل الإعلام دورًا هامًا في هذا السياق.

نظرية ما بعد الحداثة هي نظرية أو حركة رومانسية لاهتمامها بالحالة الفردية والوجدانية.

تؤكد نظرية ما بعد الحداثة على الهوية والاختلاف والتعددية.

ثانيًا: نظرية الصراع الحديثة Modern conflict theory: (2)

تم تنقيح نظرية الصراع الحديثة من قبل علماء الاجتماع مثل سي. رايت ميلز C. Wright Mills (1959)، رالف داهندورف Ralf Dahrendorf (1958)، راندال كولينز Randall Collins (1975, 1979)، ولويس كوزر Lewis Coser (1956) لتعكس حقائق المجتمع المعاصر. ويرى ميلز ودهورندورف أن الصراع لا يقتصر على الصراع الطبقي كما كان هو الحال في نظرية الصراع الكلاسيكية. بل بدلاً من ذلك رأوا أنه ينطبق على التوترات التي لا مفر منها والتي تنشأ بين المجموعات: الآباء والأبناء، والمنتجون والمستهلكون، والنقابات وأصحاب العمل الأقليات العرقية والأغلبية. وأعضاء هذه الجماعات لديهم مصالح متداخلة ومتنافسة، واحتياجاتهم المشتركة تبقي جميع الأطراف في حالة تماسك داخل مجتمع واحد. في الوقت نفسه ، تسعى المجموعات بنشاط لتحقيق أغراضها الخاصة ، مما يدفع المجتمع باستمرار إلى التغيير من أجل استيعابها.

وقد دمج لويس كوزر جوانب نظرية الوظيفية والنزاع، معتبرًا الصراع عنصرا لا مفر منه في جميع المجتمعات. ويميل الصراع بين مجموعتين إلى زيادة تماسكهما الداخلي. على سبيل المثال قد تؤدي المنافسة بين قسمين لشركتي كمبيوتر حول أول من ينتج منتجًا جديدًا إلى تقريب الأعضاء من بعضهم البعض أثناء سعيهم للوصول إلى الهدف المنشود. ربما لم يكن ليحدث هذا الشعور بالتماسك لولا الإحساس بالمنافسة، كما يصبح الصراع نفسه شكلاً من أشكال التفاعل الاجتماعي. فتصبح عملية إنتاج منتج تشتمل على الثلاث نظريات (الوظيفية، والصراع، والتفاعل).

يمكن أن يؤدي الصراع أيضًا إلى التماسك من خلال التسبب في تشكيل مجموعتين أو أكثر لتحالفات ضد عدو مشترك. على سبيل المثال، قد تؤدي المنافسة السياسية إلى توحيد عدة مجموعات من أجل هزيمة خصم مشترك.

وخلال الـ 35 سنة الماضية، تأثرت نظرية الصراع بجيل من الماركسيين الجدد. لقد ساعد هؤلاء الأشخاص في إنتاج نسخة أكثر تعقيدًا من نظرية الصراع تتجاوز التركيز الأصلي على الصراع الطبقي وتظهر بدلاً من ذلك أن الصراع موجود في كل جانب من جوانب المجتمع تقريبًا (Gouldner, 1970, 1980; Skocpol, 1979; Wallerstein, 1974, 1979, 1980, 1991; Tilly, 1978, 1981; Starr, 1982, 1992). (1) Henry L. Tischler, Introduction to Sociology NINTH EDITION, Thomson Wadsworth, USA-Ohio, 2007, pp 23.24.

ثالثًا: النظرية النقدية: مدرسة فرانكفورت The Frankfurt school critical theory (1898-1979): (1)

يعد أكبر ثلاث مفكرين بمدرسة فرانكفورت هم: هربرت ماركوزه وتيودور أدورنو (1903-1969) وماكس هوركهايمر (1895-1973) خلال فترة حرب هتلر للولايات المتحدة الأمريكية فقد راقبوا نشأة وسقوط الدولة النازية، ومن ثم عملية سيطرة وتعزيز النظام الرأسمالي فيما بعد الحرب في الحياة مع تزايد التحرر من الوهم.

في حين أكد جرامشي أن السيطرة على الأفكار هي مصدر رئيسي لسلطة الرأسمالية، فقد ركزت على أدوات ووسائل السيطرة العقلية والذهنية كمفتاح النجاح في الرأسمالية.

وأكدت على دور الإعلام والثقافة الشعبية والهيئات الثقافية في عمليات التفكير لدى الأفراد، وكيف تجعلهم غير قادرين على نقد المجتمع الذي يعيشون فيه.

وقد اهتمت بملامح وخصائص الشخصية في المجتمع الحديث، وذهبت إلى انتشار نمط من الشخصية لا يقبل فقط الهيمنة أو السيطرة ولكن يرغب بها بقوة.

رابعًا: نظرية مجتمع الشبكات The Network Society: (3)

وضع مانويل كاسيلز Manuel Castells نظريته الاجتماعية من خلال مقارنة العديد من ادعاءاته الرئيسية حول اتجاه المجتمع المعاصر بكتابات ماكس فيبر الاجتماعية الكلاسيكية، وخاصةً تفسيره المؤثر لـ “قفص البيروقراطية الحديدية” ونظريات كارل ماركس للرأسمالية. كالتالي:

1مجتمع الشبكات والبيروقراطية:

ويصف ويبر البيروقراطية بأنها حاسمة الأهمية لجميع المنظمات الحديثة الواسعة النطاق، وأكد بأن حدود المنظمات البيروقراطية يتم تحديدها بإحكام – في بناء هرمي، مع سلطة تمتد لأسفل من أعلى إلى أسفل المنظمة. ووفقًا لكاستيلز، فإن النمو السريع للشبكات المتطورة تقنيًا الغنية بالمعلومات قد قوض القدرة التفسيرية لوصف ويبر للمنظمات الرسمية. اللامركزية والبساطة، بدلاً من الهرمية والتسلسل الهرمي، هي الحدود الجديدة بلا حدود في مجتمع الشبكة.

2مجتمع الشبكات والرأسمالية:

ينتقد كاسيلز آراء ماركس حول المجتمع – برغم أن كاسيلز بدأ مسيرته الاجتماعية كماركسي. ويعترف كاسيلز بأن الاقتصاد العالمي اليوم هو اقتصاد رأسمالي. لكن الماركسية مخطئة – كما يعتقد – في النظر إلى السلع المصنعة والمادية باعتبارها جوهر الاقتصاد الرأسمالي. ويؤكد كاستيلز بأن الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات هي في صلب شبكات الإنتاج العالمية.

خامسًا: اتجاه العواطف Emotions: (4)

وفي الآونة الأخيرة ظهرت كتابات عن دور المشاعر ومعناها في الحياة الاجتماعية.

ومن العواطف الكثيرة الثقة والولاء والكرامة والشفقة والشجاعة والحرج ..إلخ.

تعتبر التحليلات الاجتماعية الحديثة للعواطف مثل تحليل كريستيان فون شيف Christian von Scheve (2013:5) العواطف بمثابة “كوسيطات ثنائية الاتجاه بين الفعل والبناء”.

ويقول بارباليت Barbalet (1996) بأن الثقة هي الأساس العاطفي للتعاون.

ونظرًا لأنه لا يمكننا معرفة المستقبل، ولكننا بحاجة إلى اتخاذ قرار، فإننا نحتاج إلى “سد الفجوة” بالثقة.

سادسًا: ما بعد البنيوية Post-Structuralism :

ظهرت ما بعد البنيوية كرد فعل للانتقادات الشديدة للبنيوية ومنهجها ونظرتها الجامدة وموقفها المناويء للتاريخ ويعتبر جاك دريدا من أكثر المفكرين ارتباطًا بما بعد البنيوية وتعبيرًا عنها واعتبر أسلوبه ثوريًّا وهو ما يطلق عليه اسم التفككية، ويعتبر هذا المفهوم من أصعب الموضوعات في كتابات وأعمال البنيوية وأكثرها غموضًا وبالتالي لم يقدم له تعريفًا واضحًا، أي أن ما بعد البنيوية لها مفاهيمها المركزية ومناهجها التحليلية التي تدور جميعها حول طبيعة اللغة والنصوص المغلقة على ذاتها. وهو يرى أن المعنى الحقيقي للنص يمكن الوصول إليه أو فهمه في حدود ضيقة أي مجرد وصف أو تفسير مؤقت لطبيعته النصية وعلى هذا فإن دريدا يمدنا بوسيلة لا تؤدي إلى هدم دعاوى الحقيقة وإنما توضح أن النصوص هي التي تنهدم أو تتفكك عندما تثور مثل هذه الدعاوى الحقيقية، كما يرى أن المنهج التفكيكي يصبح فائق القوة عند تطبيقه على العلوم الشرعية أكثر من العلوم الاجتماعية والطبيعية(5). وتطرح نظريته في النقد الأدبي المستمدة من ما بعد البنيوية تطرح طرقًا لقراءة وإعادة صياغة الخطاب التطبيقي والمنهجي للعلوم الاجتماعية الأمبيريقية(6).

سابعًا: نظرية العولمة Globalization Theory:

ترى نظرية العولمة أن ظهور أنظمة الاتصالات العالمية قد ترافق مع تآكل الثقافة الوطنية. وأن التدفقات الثقافية الهائلة المتصلة بعولمة الوسائط الإلكترونية، تؤدي إلى تفتيت قوة الهوية الوطنية والمحاور الإقليمية للهوية بشكل عام. وهناك العديد من المخاوف السياسية؛ حيث يشعر بعض النقاد بالقلق من التهديد الذي تشكله وسائل الإعلام العالمية غير المقيدة على الديمقراطية. على سبيل المثال، يشير إدوارد هيرمان وروبرت مكشني Edward Herman and Robert McChesney (1997)، إلى مخاطر وسائل الإعلام التجارية التي تهيمن عليها الشركات العالمية التي ينتصر فيها الترفيه على النقاش السياسي والمشاركة المدنية. أما الآخرون رغم أنهم لا يزالون مهتمين بالتسويق التجاري وقوة الشركات عبر الوطنية، فهم أكثر اهتمامًا بالتغيرات البنائية المرتبطة بعولمة وسائل الإعلام. وفقا لهؤلاء النقاد ، فإن وسائل الإعلام العالمية ليست أكثر من كونها أداة للتوحيد الثقافي الجديد. وهذا باختصار هو أطروحة الإمبريالية الثقافية العالمية – حيث تعمل وسائل الإعلام على زرع القيم والأيديولوجيات الأمريكية في البلدان الأقل نموًا(7).

(1) مصطفى خلف عبد الجواد، مراجعة وتقديم محمد الجوهري، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – كلية الآداب – جامعة القاهرة، 2002، ص.ص 175، 176.

(2) فيليب جونز، النظريات الاجتماعية والممارسة البحثية، ترجمة محمد ياسر الخواجة، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2010، ص.ص 118-120.

(3) Anthony Elliott, Contemporary Social Theory: An Introduction, Second edition, Routledge, USA-New York, 2014, p 294.

(4) Michael Hviid Jacobsen, Emotions, Everyday Life and Sociology, Routledge, New York-USA, 2019, p 19.

(5) فيليب جونز، مرجع سابق، ص 184.

(6) مصطفى خلف عبد الجواد، مراجعة وتقديم محمد الجوهري، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – كلية الآداب – جامعة القاهرة، 2002، ص.ص 175، 176.

(7) Anthony Elliott, op.cit, p.p 358-359.