مر الإعلام الجماهيري منذ نشأته بالعديد من التطورات وتجسد في العديد من الصور والأشكال عبرت كل منها عن طبيعة الحقبة التاريخية التي نشأت…

مر الإعلام الجماهيري منذ نشأته بالعديد من التطورات وتجسد في العديد من الصور والأشكال عبرت كل منها عن طبيعة الحقبة التاريخية التي نشأت وتطورت بها، وفيما يلي عرض لأهم الصور المبكرة والحديثة للإعلام الجماهيري:

  1.  عصر الرموز والإشارات:

تكشف لنا دراسة العصور القديمة مدى استخدام القدماء للرموز والإشارات، والتي تعد اللغة الأولى للتعامل والاتصال والتفاهم بصورة عامة، حيث استخدم المصريون القدماء أول لغة مكتوبة في التاريخ عن طريق استخدام الرموز والصور والإشارات، وقد شاركهم في ذلك أصحاب الحضارات الشرقية القديمة مثل الحضارة الهندية والصينية.

وقد صور المصريون القدماء كل من الأسد والشمس والقمر والشجر والمطر والبحر والسماء وغيرها، وكان لكل رمز معنى محدد يتم التعبير عنه.

وتعتبر عمليات تحليل معاني هذه الرموز وفهمها من أهم العمليات التي ساعدت على فهم الحضارة الفرعونية القديمة، وهو ما حدث عندما توصل العلماء إلى فك رموز حجر رشيد. كما استطاع العلماء دراسة الأحداث التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية عمومًا. حيث لم تتمكن الأجيال الحاضرة من اكتشاف المراحل الأولية لنشأة الحضارة الإنسانية إلا عن طريق فك هذه الرموز وفهمها باعتبارها لغة الاتصال القائمة آنذاك.

  1. عصر الخطابة واللغة:

بدأ هذا العصر في مرحلة لاحقة من مرحلة الرموز والإشارات ودليل على ظهور تطورات فكرية وعقلية لدى الجنس البشري، وهو ما يشير إليه علم الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية والفيزيقية، خاصة بعد أن تطورت قدرات الإنسان الفيزيقية (الجسمانية والتشريحية).

وقد انتشرت لغة الخطابة في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الشرق الأوسط والأدنى، وهو ما ظهر في مراحل متقدمة عندما برع العرب في العصر الجاهلي في فنون الشعر والخطابة وأصبحت وسيلة الاتصال الشفوي بين العرب والشعوب المجاورة. وتطورت الخطابة السياسية والدينية والثقافية والقانونية خلال ظهور الدولة الإسلامية، والتي تعد جزءًا من مكونات الاتصال الثقافي والسياسي والديني في المجتمعات العربية والإسلامية حتى وقتنا الحاضر.

من الموضوعية أن نشير إلى دور الإغريق وفلاسفتهم وحكمائهم وخطبائهم في تأسيس أسس الخطابة وأساليبها وتقنياتها العلمية، والتي ظهرت كنوع من المرافعات في القضايا. كما كان لها استخدام سياسي؛ حيث كانت الخطبة جزء من البيان والخطب التي تلقى في العزاء والمناسبات الدينية، وتعتبر وسيلة هامة للاتصال السياسي والقضائي، وتسمح بنقل القيم الروحية والثقافية والسياسية والقانونية، وقد تطورت الخطابة كأسلوب للإقناع والجدل والمناقشة، كما حدث في المدارس الفلسفية والتنشئة الإغريقية القديمة، وهذا ما جعل فلاسفة اليونان القدماء مثل “أرسطو” و”أفلاطون” و”سقراط” قد برعوا في هذا الأسلوب الاتصالي لدى جماهيرهم ومحبيهم. وقد اهتم أرسطو بالخطابة وقد قام بتعريفها على أنها ليست مجرد وسيلة للإقناع، ولكن تعتبر نوع من الفنون وقد وضع أرسطو مجلدات “ثلاث” عن هذا الفن. كما ظهرت في صقلية مجموعة من الخطباء البارزين من أمثال “كوراكس” و”ثيسباس” اللذان ساعدا في تطوير الخطابة واستخدامها للمرافعات والمناقشات السياسية السليمة وبعيدًا عن استخدام القوة والمبارزة الجسمانية، كما استطاع كوراكس أن يحدد التقنيات الأولى للخطابة، واعتبرها نوع من التفكير في أمور اللغة والاتصال.

الموضوع السابق: || الموضوع التالي: