عرف العالم الصحافة المقروءة قبل الميلاد إذ صدرت في روما حوالي 454 ق.م أول صحيفة لتنشر لأمال مجلس التشريع، ثم استطاع أحد الصينين…

  • نشأة الصحافة:

عرف العالم الصحافة المقروءة قبل الميلاد إذ صدرت في روما حوالي 454 ق.م أول صحيفة لتنشر لأمال مجلس التشريع، ثم استطاع أحد الصينين 77 م من اكتشاف الطباعة الخشبية.

غير أن تقدم الصحافة لم ير النور إلا بعد اختراع جوتنبرج للطباعة. حيث ساعد على انتشار الصحف .. وعرفت انجلترا أول صحيفة 1622 وصدرت أول صحيفة يومية في سنة 1702 أطلق عليها (Daily Caurant) ثم كثرت بها الصحف التي تعتمد على نشر الإشاعات لا الأخبار فقط (1).

  • الصحافة المصرية:

كانت الصحافة العربية الأولى التي شهدها الوطن العربي؛ صحيفة رسمية تمثلت بصورتها المبسطة في (جورنال الخديوي) الذي صدر في عهد حاكم مصر(محمد علي). وقد تطور الجورنال من مجرد تقرير يرفع للوالي إلى أن أصبح خلاصة لنشاط الحكومة وأعمال الموظفين. وبذلك يعتبر الجورنال أقدم الصحف المصرية والعربية على الإطلاق.

أما الصحيفة العربية الأولى التي استحقت أن تطلق عليها هذه الصفة فهي (الوقائع المصرية) التي صدرت سنة 1828م في عهد (محمد علي) حاكم مصر آنذاك. وكانت صحيفة رسمية تسجل نشاطات الدولة ومشاريعها وسياستها وتقوم بالدعاية لحاكمها.

وفي العدد الأول من أعداد هذه الجريدة مايدل على أن النظام الإداري الذي وضعه محمد علي في عام 1826م كان من أهم الأسباب التي حدت به إلى أن يطبع للمصريين جريدة تعرفهم على الحال والزمان، كما تلفت نظرهم إلى الأمور الدقيقة الحاصلة في المصالح الزراعية والحربية وباقي أنواع الصنائع، ثم لا يغيب عن صفحاتها بعض الأدب وأخبار السياسة الخارجية وشؤون الدولة الاجتماعية.

وقد اهتمت بأخبار الزراعة ومشاريع الري والنهضة العمرانية. ولم تتوقف عند نشر الأوامر والقوانين الرسمية فحسبء ولكنها اهتمت بناقشة المسائل الحيوية التي جاءت متناسبة مع الإصلاحات التي أدخلها محمد علي إلى مصر ولانفتاحه على العام الخارجي.

وقد ظهرت الوقائع المصرية في أول عهدها باللغة التركية، ثم باللغتين العربية والتركية، ثم أصبحت عربية محضة. ولكن (الوقائع المصرية) شهدت نقلة نوعية في مادتها الصحفية والعلمية وأسلوب تحريرها عندما عهد برثاسة تحريرها إلى (رفاعة رافع الطهطاوي) سنة 1842 ولمدة ثماني سنوات متتالية أي إلى سنة 1850م.

ولقد اقترن عهد الطهطاوي في الإشراف على هذه الجريدة بظاهرة جدينة لفتت أنظار المؤرخين للصحافة وهي أن اللغة العربية احتلت من الوقائع المصرية جهة اليمين وأما التركية فتركت لها جهة الشمال. على عكس ما كان متبعًا في هذه الجريدة. كما سمح للطهطاوي في ذلك الحين أن يضع مواد الجريدة باللغة العربية أولاً. وأن تترجم هذه المواد بالتركية بعد ذلك.

وانتقلت من توافه الأخبار والحوادث والافتتاحيات الثقيلة المحشوة مديحًا وثناء للوالي بمبرر وبغير مبرر إلى موضوعات رئيسية لما خطرها في الشرق وفي أوربا ذلك الوقت.

وكان لرفاعة الطهطاوي دوره المعروف في النهضة الفكرية الحديثة في مصرء وقد جمع إلى ثقافته الأزهرية ثقافة أجنبية من خلال دراسته في فرنسا. وقد تمثل هذا الدور باهتمامه بالترحمة والنشر والتأليف وهي أعمدة النهضة الثقافية الحديثة.

أما (الوقائع المصرية) فقد تواصل اهتمام الحكومات المصرية بها وبلغ هذا الاهتمام مداه في عهد الخديوي إسماعيل الذي توسعت اهتمامات الصحيفة في عهده وأصبحت صوتًا إعلاميًّا للحكومة المصرية.

ودخلت المنافسة صحف (مؤسسة أخبار اليوم)، التي تطورت من مجرد صحيفة إسبوعية، كانت تحرر من شقة صغيرة في شارع قصر النيل بالقاهرة، وتطبع في عدة مطابع متفرقة يومها، لتصدر عن الدار صحيفة يومية باسم (لأخبار)، ابتداء من الخامس عشر من يوليو 1952، تطورت خلالها من الجمع اليدوي Handset  إلى الجمع الآلي Machine Set حتى الجمع التصويري photo Composing وصولا إلى طباعة الأوفست، ابتداءً من مايو 1985 من خلال مطبعة قادرة على طبع مليون و 200 ألف نسخة يومياً وفي 24 صفحة، وباستخدام أربعة ألوان، وطبع الملاحق Supplements الملونة في المناسبات المختلفة، وافتتاح المبنى الجديد للدار في شارع الصحافة، والمجمع الطباعي العملاق في مدينة السادس من أكتوبر(2).

  • الأهداف والوظائف العامة للصحافة:

تتعدد الأهداف العامة للصحافة، ونذكر منها ما يلي(3):

  1. الإعلام (الإخبار): الصحافة تخبر بالوقائع العامة، فتعلن عن موعد انعقاد الاجتماعات ومكانها ومواضيعها، وتسجل أخبار المواليد والوفيات والزيجات والحقائق الحيوية عن الأحداث العادية، وهى تنبه إلى مواعيد محاسبة الضرائب وإلى موعد تسجيل المواطنين أسماءهم فى كشوف الانتخابات، وتعلن عن الانتخابات وتيين مراكز الاقتراع، وتحيط الأهالى والأولاد علما بموعد افتتاح المدارس وأين ومتى يسجل التلاميذ أسماءهم فى مراحل الدراسة المختلفة، وهى تستثير اهتمام الجمهور بالعطلات والأعياد وبرامجها. وتنشر مواعيد اجتماعات الجمعيات العمومية المختلفة من سياسية ودينية وثقافية وفنية وغيرها. وهى تعلن عن مواعيد المباريات الرياضية.
  2. سرعة الوصول: هذه النشرة الجماهيرية المتغيرة يتم إيصالها حتّى باب منزل القارئ ليطالعها متى شاء، غير أن السرعة، ولاسيما الدقة، أساسيتان فى تجميع الأخبار وتقديمها. هذه الأخبار التى تهم دائمًا بعض الناس.
  3. التعليم والتثقيف: فالصحافة تثقف قراءها وتعلمهم. فهى تعلم التاريخ والجغرافيا والاقتصاد وعلمى النفس والسياسة والطب والزراعة والاقتصاد المنزلى والأرصاد الجوية وغيرها . . وخلال أعمدة الصحيفة يتحدث الطبيب عن الأمراض النادرة والعادية، وييين طرق الوقاية مها وعلاجها. ورجل الأرصاد الجوية يبشر هؤلاء الذين سيقومون بنزهة خلوية بأن يومهم سيكون جوه صافيًا. وينبئ الزارع بهطول الأمطار وينبهه إلى جمع محاصيله فى الوقت المئاسب حتى لا تتلف، فينقذه من خسارة محققة، وتقدم الصحيفة إلى قارئاتها أحدث وصفات التجميل. وتخصص الأعمدة للسلوك الإنسانى والأحداث السياسية. ويجد القارئ فى العادة بعض النصائح العملية الخاصة بزراعة الحدائق أو بالزراعة عامة. إن مثل هذه الخدمات التعليمية والتثقيفية التى تقدمها الصحيفة تتطلب دقة في البحث ومقدرة على حسن الانتخاب والتوجيه.
  4. الإثارة: الصحف تبعث الحياة فى الأخبار. فالأحداث البسيطة يمكن أن يضفى عليها المحرر الطابع الدرامى بتفاصيل متقنة ذات طعم. والصور الفوتوغرافية للأفراد والجماعات والمناظر والخرائط والرسوم البيانية تجعل الأخبار أقرب إلى الفهم وذات معنى أو مغزى.
  5. كشف الاستعمار: استطاعت الصحافة الوطنية العربية أن تكشف الاستعمار وأساليبه في التعليم وفي التفرقة وفي النزعات الإقليمية وفي محاربة اللغة العربية.
  6. تغطية الأحداث الاستثنائية: أثناء الحروب تقوم وكالات الأنباء والمراسلون الخاصون بوصف البلاد التى تعسكر فيها القوات المحاربة وعادات شعوبها وتقاليدهم، وكذلك أثناء الزلازل والبراكين والأعاصير؛ مما يعفى قارئ الصحيفة من الرجوع إلى الأطالس أو غيرها من الكتب ليشبع رغبته فى الحصول على معلومات اضافية.
  7. كسب الشعبية والتأثير في الرأي العام: تعمل على تقريب الشخصيات المشهورة على الصعيدين القومى والعالمى من قلوب القراء. وذلك بنشر قصص إنسانية عن حياتهم الخاصة والعامة.
  8. الصحافة تزيد من رفاهة المجتمع: فتقوم الصحيفة بوضع برنامج للمجتمع الذى تصدر فيه وتنظم هذا المجتمع لكى ينفذ هذا البرنامج وتعمل على زيادة نموه، وتعلن عن مصادر قوته للعالم الخارجي، وتبين أخطاء المجتمع ونقاط ضعفه لأفراده.
  9. دعم الحملات: تدعم الصحافة الحملات التى تهدف إلى زيادة الاعتمادات المخصصة لمشروعات التنمية التّى تعود بالخير والنفع على المجتمع.
  10. الخدمات الإعلانية: فالاعلان قوة أحدثت انقلابًا فى الصناعة والتجارة بالحث على التنافس الذى يؤدى إلى فاعلية أكبر وإلى إنتاج أغزر وأفضل بسعر أقل .
  11. تنشيط الأعمال: حيث تسهل عملية الشراء – تتيح اتصالاً بين البائعين والشارين وتوفر على الشارى مهمة الانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن الصنف الذى يرغب فى اقتنائه.
  12. مساعدة الشرطة: تساعد الشرطة في القبض على المجرمين، بنشر صورهم والمعلومات الخاصة بهم، مما يسهل للمواطنين التعرف عليهم والتبليغ عنهم.
  13. وظائف الصحافة في الدول الليبرالية:

تقوم الصحافة في الدول الليبرالية بالوظائف التالية(4):

  1. تدعيم المشاركة الشعبية في الحكم: تقوم الصحافة في المجتمعات الليبرالية بنشر البيانات والمعلومات عن اتجاهات وخطط الحكومة .. ثم تقترح ما يجب القيام به لحسن تنفيذ هذه الخطط .. ثم هي تظهر رد الفعل الشعبي تجاه سياسات الحكومة وخططها .. وهو الأمر الذي يكشف للحكومة عن حقيقة اتجاهات الرأي العام مما يساعد في اتخاذ القرار السياسي الصحيح الملائم للرغبات الشعبية .. وذلك كله يدعم المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي أي تدعيم المشاركة الشعبية في الحكم.
  2. تنظيف المجتمع من الفساد: تقوم الصحافة في المجتمعات الليبرالية بدور الرقيب على الحكومة وعلى المشروعات العامة والخاصة وتقوم بالكشف عن الانحرافات والأخطاء التي ترتكب في حق الشعب.
  3. حماية الأبرياء: تحمى الأبرياء من المحاكمات الظالمة، وأن رجال الحكومة يعلمون أن الصحف الجيدة سريعة فى فضح التقصير والاهمال فى أداء الوظيفة كسرعتها فى الثناء على العمل الجيد.
  4. الدفاع عن الحقوق الدستورية: تدافع الصحافة عن الحقوق الدستورية والتعد على حرية الإنسان وتهاجم كل انتقاص لنصوص الدستور. وتعلى مبدأ سيادة القانون والمساواة بين المواطنين، وتشيد بالحريات شريطة ألا تؤدى إلى الفوضى.

وتساعد الصحافة في المجتمعات الليبرالية على القيام بهذا الدور الحرية الواسعة التي تتمتع بها الصحف في هذه المجتمعات من ناحية ثم الحماية التي يكفلها القانون للصحف التي تتعرض لقضايا الانحرافات من بطش السلطات الحاكمة من  ناحية ثانية .. كذلك فالقانون في هذه المجتمعات يعطي الصحفي حق عدم الإفشاء بأسماء المصادر التي تغذيه بالمعلومات من ناحية ثانية. وبالرغم من ذلك إلا أن الإذاعة قد انتزعت من الصحافة ميزة إذاعة الأخبار، كما عمل التلفزيون على اختصار وقت الفراغ الذي يسمح بقراءة الصحف. كما أن للتلفزيون وسائله المغرية لسرد أنواع معينة من الأحداث (رياضة، احتفالات ..) (5).


(1) تيسير أبو عرجة، دراسات في الصحافة والإعلام، دار مجدلاوى للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، 2000، ص 26.

(2) مرعي مدكور، الصحافة الإخبارية، دار الشروق، القاهرة، 2002، ص.ص 22، 23.

(3) خليل صابات، الصحافة مهنة ورسالة، دار الشروق، القاهرة، 1985، ص.ص 22، 23.

(4) فاروق أبو زيد، مدخل إلى علم الصحافة، مؤسسة عالم الكتب، القاهرة، 1986، ص.ص 71، 72.

(5) بيير البير، الصحافة، فاطمة عبد الله محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987، ص12.