مثل ظهور وانتشار جائحة كوفيد-19 مع مطلع عام 2020 تحديًّا مفاجئًا لمختلف دول العالم وألقى بظلاله على مختلف الأنشطة المجتمعية ولاسيما التعليمية؛ فأدى…

مثل ظهور وانتشار جائحة كوفيد-19 مع مطلع عام 2020 تحديًّا مفاجئًا لمختلف دول العالم وألقى بظلاله على مختلف الأنشطة المجتمعية ولاسيما التعليمية؛ فأدى الإغلاق إلى تعطل عمل المؤسسات التعليمية في مختلف دول العالم وباتت الحاجة أكثر إلحاحًا إلى تبني وسائل تعليمية أكثر مرونة قادرة على الاستمرار وتلبية حاجات المؤسسات التعليمية في هذه الأوقات الاستثنائية.

وقد أشار تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعنوان “تأثير كوفيد-19 على التعليم رؤى من التعليم في لمحة 2020” إلى أن عمليات الإغلاق استجابة لكوفيد-19 قد أوقفت التعليم التقليدي مع إغلاق المدارس على مستوى البلاد في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والدول الشريكة، واستمرت الغالبية لمدة 10 أسابيع على الأقل. وفي حين بذل المجتمع التعليمي جهودًا متضافرة للحفاظ على استمرارية التعلم خلال هذه الفترة، فإنه كان على الأطفال والطلاب الاعتماد بشكل أكبر على مواردهم الخاصة لمواصلة التعلم عن بُعد من خلال الإنترنت أو التلفزيون أو الراديو. وكان على المعلمين أيضًا التكيف مع المفاهيم التربوية الجديدة وأنماط التدريس، والتي ربما لم يتم تدريبهم عليها. وعلى وجه الخصوص، فإن المتعلمين في الفئات الأكثر تهميشًا، والذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى موارد التعلم الرقمية أو يفتقرون إلى المرونة والمشاركة للتعلم بأنفسهم، هم معرضون لخطر التخلف عن الركب(1).

وفي ظل هذا الوباء، تواجه المؤسسات التعليمية تحديات كبيرة في نظامها التعليم. وسيكون لكوفيد-19 تأثير على توافر التعليم. وبالتالي، سيكون هناك انخفاض خاصة في الامتحانات الوطنية. ويسلط هذا الوضع الحرج الضوء على العديد من المخاوف مثل تدهور جودة التعليم ومستقبل الطلاب(2).

وقد أدى إغلاق الجامعات إلى تسريع الدخول المفاجئ – كما أشار المدير العام لليونسكو – إلى حقبة جديدة من التعلم. والطلب على التحول الرقمي شبه الفوري لمؤسسات التعليم العالي لا يتطلب فقط دمج التقنيات، ولكنه يتطلب أيضًا إنشاء أو تعديل العمليات وتوافر الأشخاص ذوي القدرات والمهارات المناسبة لتطوير العمليات والتقنيات المذكورة. ومع ذلك، نظرًا لعدم وجود المزيد من الوقت لإعداد هذه الظروف، فقد واجهت المعلمين مشكلات في إيجاد الحل الإبداعي والمبتكر للعمل والتعلم السريع، وإظهار القدرة على التكيف والمرونة في محتويات وتصميم المقررات للتعلم في المجالات التدريبية المختلفة(3).

  • التعليم عن بعد Distance Learning:

مكَّن ظهور وانتشار شبكة الإنترنت من زيادة فرص التعلم ونيل المعرفة دون التقيد بالموقع الجغرافي لكل من المتعلم والمؤسسة التعليمية على السواء؛ حيث قامت العديد من الجامعات ومراكز التدريب بإنشاء مواقع للتعليم عن بعد تتيح عددًا من المقررات والتدريبات في درجات علمية معينة باشتراكات محددة. وتتميز هذه الطريقة بأنها لا تتطلب تفرغًا تامًا ومن ثم تساعد الفرد على التعلم دون أن يضطر إلى السفر إلى الدول المقدمة لتلك الخدمة، مما يساهم في نشر العلم والمعرفة(4).

وللتعلُّم عن بعد عدة خصائص ومن أهمها(5):

  1. إيجاد الظروف التعليميَّة الملائمة والمناسبة لحاجات المُتعلِّمين من أجل الاستمرار في عمليَّة التعلم.
  2. يساعد على تقديم المناهج الثقافيَّة للمُتعلِّمين كافة وتزويدهم بالمعرفة.
  3. مسايرة التطوُّرات المعرفيَّة والتقنية المستمرة.
  4. تلبية حاجة المجتمع إلى المؤهلين وفي التخصُّصات المختلفة ودعم الاستقرار في المجتمع.
  5. توفير فرص الدراسة والتعلم المستمر لمن لا تسمح لهم قدراتهم أو إمكاناتهم بمواصلة التعلم.
  6. تساهم في تمكين الطلبة من الدراسة متى يُريدون ذلك، فضلاً عن تمكينهم من الدراسة والعمل.
  7. الإسهام في إعداد الأفراد الذين يمتلكون المعارف والمهارات والقدرات.
  8. توفير المناهج التعليميَّة التي تلبي مُتطلَّبات سوق العمل وخطط التنميَّة.
  9. إتاحة الفرصة للمتعلمين للتفاعل الفوري الكترونياً فيما بينهم من جهة وبينهم وبين المعلم من جهة أخرى من خلال وسائل البريد الالكتروني ومجالس النقاش وغرف الحوار وغيرها(6).
  10. توفُر خدمة التعليم الالكتروني سواء عبر الانترنت أو أقراص التخزين المدمجة أو أقراص الفيديو الرقمية وغيرها على المتعلم مشقة الانتقال إلى مركز تعليمي بعيد. أي بعبارة أخرى أنه سيوفر كلفة السفر ويكسب مزيدًا من الوقت(7).

ولأجل اختبار درجة فاعلية التعلم عبر الإنترنت، فقد أجرى كارسويل Carswell وآخرون دراسة هدفت إلى التعرف على آراء الطلبة في تجربة التعلُّم عن بعد من خلال الإنترنت، وأثرها على مخرجات التعلم مقارنة بالطريقة التقليدية. واشتملت عينة الدراسة على (500) طالب تم توزيعهم على مجموعتين: المجموعة الأولى تضم (300) طالب درسوا المادة التعليمية عبر الإنترنت بطريقة التعلم عن بعد، واحتوت المجموعة الثانية (200) طالب درسوا المادة التعليمية نفسها بالطريقة التقليدية، وأظهرت نتائج الدراسة أن مخرجات التعلم متماثلة، رغم أن الطلاب فضلوا تجربة الإنترنت وكانوا يرغبون في تكرارها(8).

  • التعليم الهجين (المدمج) Hybrid Education:

ظهرت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى تبني نظام تعليمي أكثر مرونة يكون قادر على مواجهة الأزمات يكون له القدرة على مواصلة العملية الدراسية في أوقات التعطل والاضطرابات دون الإخلال بجوهر العملية التعليمية والمحتوى الدراسي والتجارب المعملية؛ من هنا كانت الدعوة إلى تبني نظام تعليمي يجمع بين التعليم وجهًا لوجه عن طريق المحاضرة والتعليم عن بعد عبر شبكة الإنترنت يتصف بقدر من المرونة وأطلق عليه التعليم الهجين (أو المدمج، أو المختلط) والذي انطلق منذ عدة سنوات فعليًّا في العديد من المؤسسات التعليمية حول العالم لكن ازدادت الدعوات بالتوجه نحوه في الفترة الأخيرة مع انتشار جائحة كوفيد-19.

وبدلاً من استبدال التدريس في الفصول الدراسية التقليدية، فإن تكنولوجيا المعلومات تكملها وتقدم آلاف المقررات عبر الإنترنت من قبل الجامعات والكليات في جميع أنحاء العالم بهذه الطريقة. ويُعرف التعلم الإلكتروني، المعروف أيضًا باسم التعلم المستند إلى الويب، بأنه عملية تعلم متصلة بالإنترنت. إنها طريقة حاسمة لجعل طرق التعلم أكثر يُسرًا ومرونة. وعلى وجه الخصوص، هذه الخصائص هي أكثر أهمية في التعليم العالي الحديث. ويتزايد تبني طلاب الجامعات للتعلم الإلكتروني على مستوى العالم. ومع ذلك، فإن المقررات عبر الإنترنت بالكامل (بدون التدريس في الفصول الدراسية التقليدية) تقل عن 5٪، ويتراوح عدد الطلاب المسجلين في أحد المقررات على الأقل بمحتويات ذات صلة بالإنترنت بين 30٪ و 50٪(9).

وعلى الرغم من الإمكانات التي يوفرها التعلم المدمج لمؤسسات التعليم العالي، إلا أن هناك تحديات مرتبطة بتنفيذه. على سبيل المثال، قد لا يشارك أعضاء هيئة التدريس ممن هم في الخط الأمامي رؤية المؤسسة لممارسات التعلم المدمج لتعزيز التعلم والتعليم. وقد تكون هناك فجوات بين قدرة أعضاء هيئة التدريس على التعلم المدمج والمستوى المتوقع للمشاركة في ممارسات التعلم المدمج. وقد يقلل الدعم المحدود على مستوى المؤسسة من دافع أعضاء هيئة التدريس لتحويل المقرر إلى شكل مختلط ويثبط التزامهم بالتغيير. وعلى الرغم من أن مفهوم التعلم المدمج قد يكون بسيطًا من الناحية النظرية، إلا أنه معقد من الناحية العملية. وتعتمد فعالية التعلم المدمج بشكل كبير على السياق الذي يتم فيه اعتماده وكيفية تنفيذه(10).


(1) Andreas Schleicher, The Impact Of Covid-19 On Education Insights From Education At A Glance 2020, OECD, 2020. https://www.oecd.org/education/the-impact-of-covid-19-on-education-insights-education-at-a-glance-2020.pdf

(2) Naciri, A., Baba, M. A., Achbani, A., & Kharbach, A, Mobile Learning in Higher Education: Unavoidable Alternative during COVID-19. Aquademia, 4(1), ep20016, (2020).  https://doi.org/10.29333/aquademia/8227.

(3) UNESCO, IESALC, COVID-19 and higher education: Today and tomorrow, May 13, 2020, p 26. http://www.iesalc.unesco.org/en/wp-content/uploads/2020/04/COVID-19-EN-090420-2.pdf.

(4) علا الخواجة، تأثير الإنترنت على الشباب في مصر والعالم العربي: دراسة نقدية، مجلس الوزراء المصري، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، القاهرة، 2005، ص 11.

(5) ناهدة عبد زيد الدليمي، التعلُّم عن بُعد: مفهومه وتطوُّره وفلسفته، موسوعة التعليم والتدريب، 20 مايو 2018.

https://www.edutrapedia.com/التعلم-عن-بعد-مفهومه-وتطوره-وفلسفته-article-691

(6) مناهل مصطفى العمري-افتخار محمد مناحي الرفيعي-انتصار محي الخطيب، واقع ومتطلبات وسائل التعليم الحديثة (التعليم الإلكتروني)، مجلة الدنانير – العدد التاسع 2016.

(7) المرجع السابق.

(8) قسيم محمد الشناق وحسن علي أحمد بني دومي، اتجاهات المعلمين والطلبة نحو استخدام التعلم الإلكتروني في المدارس الثانوية الأردنية، مجلة جامعة دمشق، المجلد 26، العدد (1، 2)، سوريا – دمشق، 2010، ص.ص 244، 248.

Also available at: http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/edu/images/stories/235-271.pdf

(9) Ng KK., Luk CH., Lam WM, The Influence of Culture on the Use of Information Technology in Learning in Hong Kong’s Higher Education. In: Cheung S., Kwok L., Kubota K., Lee LK., Tokito J. (eds) Blended Learning. Enhancing Learning Success. ICBL 2018. Lecture Notes in Computer Science, vol 10949. Springer, Cham, (2018). https://doi.org/10.1007/978-3-319-94505-7_10.

(10) Lim, Cher P ing and Wang, Libing, Blended Learning for Quality Higher Education: Selected Case Studies on Implementation from Asia‑Pacific, United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization and UNESCO Bangkok Office, France – Paris, 2017, p.p 24-25.